ثرثرة قارئ : رواية “الحماقة كما لم يرويها أحد”.. لا أعتقد أنك أحمق لتصدق سمير قسيمي

 تحكي رواية الحماقة كما لم يروها أحد للروائي الجزائري سمير قسيمي والصادرة عن دار ضفاف ومنشورات الاختلاف، العام 2020، وقائع سياسية جرت في الجزائر تحاكي ما وقع منذ سنة وتدور الأحداث..

لحظة… لحظة، هل صدقت الكلمات الأولى، هههههههههههه، أنت إما مجنون أو أن داء الحماقة الذي ضرب سكان تلك البلاد قد مسك شيء منها من رفط القراءة وترديدك للحماقة كلما حملت الرواية بين يديك والتقطت عيناك كلمة الحماقة عشرات المرات.

ولا أعتقد أنك راغب في أن تكون مجنون فيجري وراءك الأولاد ويرموك بالحجارة، ولا أحمق فيضحك عليك الناس.

أرجوك لا تكن غبيا فتسقط الرواية عن الحقيقة والواقع، فالجميع يعرف أن الرواية محض خيال، نعم إنها خيال، وعبر الخيال يأخذنا الروائي سمير قسيمي إلى عالم موازي مقابل عالمنا، ويحكي ما جرى هناك.

طبعا قد لا تعرف نظرية العالم الموازي، وإن تعرفها فأنت لا تؤمن بها، لأن العالم الوحيد الذي يقابل الحقيقة المادية هو عالم الأرواح والجن.

المهم دعك من كل هذا فقط أبقى داخل الرواية، لا تبتعد كثيرا بعقلك ومنطقك فلن يجد مكانتهما في رواية الحماقة كما لم يرويها أحد.

وقائع رواية الحماقة كما لم يروها أحد

تدور وقائع رواية الحماقة كما لم يروها أحد على مدار ثلاثمائة وسبعة وأربعين صفحة، حول شخصية أسطورية وخرافية كانت في مكان ما من العالم، تدعى هذه الشخصية “جمال حميدي” الذي تبوء منصب رئيس الجمهورية في تلك البلاد.

 وتقتفي رواية رواية الحماقة كما لم يروها أحد سيرة شبه ذاتية، تروي كيف وصل “جمال” إلى سدة الحكم في بلده، وأصبح فيها رئيسا للجمهورية.

وقد أطلق الكاتب سمير قسيمي بحكم شروط وقواعد كتابة الرواية المكان الذي جرت فيه الرواية  تسمية “الجزائر” وبالضبط في عاصمتها وكأن لها مثيل في الحقيقة عن دولة حقيقية تسمى الجزائر وعاصمتها الجزائر أيضا، بل نقل ذات أسماء الشوارع وعدد من أحياء العاصمة فيها.

أما الزمان فهو غابر لا يذكره أحد، فقد مرت مئات السنوات…  في عالم لم يعد يعبء بالزمن من أجل رؤية الأمور تتغير من حوله، فيصبح مثقلا بالتفاصيل، فالناس تحب العموم والبساطة والامتثال أكثر من المنطق والعقل…

الناس في مسمى الشعب حين حديثها على علاقتهم بالسياسة فهذا يعني علاقتها برئيس الجمهورية حاكمها الأول، وستقرأ هذا خلال فصول الرواية كيف يتخيل الأسفل الأعلى وكيف ينظر الأعلى للأسفل.

يقف الكاتب سمير قسيمي في روايته عند نظرية القطيع / سيكولوجية الجماهير كيف تعمل في توجيه الناس في زمن اختلطت فيه القيم، وأصبحت الحياة بلا معايير أخلاقية، السياسة التي لا يمكن للأخلاق طريق لها..

في سياسة كيف تتحول العاهرة إلى سيدة مسؤولة، ويصل السارق والمجرم والمحتال والبغيضون والأشرار إلى الحكم، ويتسلطون عليهم بالقانون..

كيف يصبح كل شيء مباح وسلعة تباع حتى الوطن، كيف تغلف الخيانة والعبودية بأثواب براقة يمكن للجميع ارتداءها دونما خجل أو مانع، بل بفخر يحدثون أنفسهم ومن حولهم بإنجازاتهم السخيفة والدنيئة على حد سواء.

رواية الحماقة ومسألة التزوير والكذب

تقف رواية الحماقة كما لم يرويها أحد عند مسألة غاية في الخطورة، وهي تزوير الحقيقة والتاريخ وطمس الصدق بالكذب والتدليس والحذف، ليس فقط في حياة أناس عاديين، ليس تزوير حقيقة الأشخاص ليومياتهم ومسيرتهم فقط بل يتعداه ليكون تاريخ الدولة والشعب على حد سواء.

التزوير والكذب الذي تشارك فيه المؤسسات الرسمية من خلال منصب كاتب التاريخ في الجمهورية الخرافية، ليدرس بعده لمختلف الأجيال على أنه الحقيقة، ما سيرة جمال حميدي رئيس الجمهورية إلا تعبير على هذه الظاهرة الخطيرة.

انتبه نحن نتكلم على عالم خيالي، ولست مسؤولا عن فهمك والتخيلات التي تصيبك جراء قراءتك لـ رواية الحماقة .. فتأخذك إلى عقد مقارنات غبية بين ما مر عليك وما هو موجود في واقعك.

وإذا حدث، فهي بلا شك دلائل إصابتك بداء الحمق جراء طول المدة التي قضيتها في قراءة الرواية وفي اللحظة التي صدقت ما جاء فيها، بما فيها شخوصها، فهي موجودة حصرا في المكان الذي تسكن فيه، والزمن الذي تحيى فيه.

فالشخصيات عادية جدا ولها نماذج معروفة في الحياة، غير خارقة، هامشية، تمثل الشريحة الأوسع والأكبر داخل المجتمعات غالبا، إلا أنها بفضل مجموعة من العوامل الطبيعية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية تصبح بقدرة قادر أقلية ولا تمثل سوى الخمسة في المائة مما يسمى الشعب.

لهذا ستجد جمال، أولفا، عوايش، سالم الجمل، الذيب، بوخنونة… قريبة منك حد الاستئناس لّأنك تعرفها بطريقة ما وتعيش بالقرب منها وليست تلك الشخصيات من عوالم السينما والتلفزيون.

وكون النص خيال روائي، فلا ضير أن تتحقق الأحلام وتصدق التخيلات داخل العقول أو أثناء النوم، لهذا فالأحداث تسيير من الرتابة إلى الثورة إلى الجنون إلى المأساة إلى النسيان، إلى العبث المطلق بطريقة غرائبية غير متوقعة وغير منطقية.

سمير قسيمي وقواعد العالم الموازي

ولا يمكنك في ذات الوقت لوم سمير قسيمي فيما يحدث، لأن قواعد العالم الموازي في الجهة المقابلة غير تلك المتعارف عليها في واقعنا، وحياتنا الحقيقية.

وحتى الصدف التي تجدها ربما متشابهة من صنيعة وصول الأشخاص إلى الحكم والسلطة واختطاف الأشخاص في صندوق سيارة، تحقيقات البوليسية والأمنية السرية، الانقلاب العسكري وما ينجر عنه من انفلات الأمن في البلاد، هروب المسؤولين، الاغتيالات السياسية، المظاهرات، وخيانة الوطن، وغيرها إنما هي مجرد تماس بين العالمين.

فتنفذ بعض الأحداث والقوانين من كون إلى آخر بشكل مجهول، لا يعرف العلماء عنه شيء، سوى أن ما يحدث في عالمنا ينتقل إلى العالم الموازي، وما يحدث في عالمهم ينتقل إلى العالم الحقيقي.

هذا وغيره ما جاء في رواية الحماقة كما لم يروها أحد، وطبعا وأنت إلى الآن مقتنع أنك لست أحمق ولا غبي ولا مجنون لتصديق الروائي الجزائري سمير قسيمي في كل ما كتبه في نصه الحماقة كما لم يرويها أحد..

قريبا سأدخل مرحلة الحشو والكلام بلا طائل، وأجد نفسي أنقل لكم تفاصيل عالم مجنون وغرائبي فتفقد القصة حمقها… يمكنك العودة الآن بسلام إلى عالمك… سلام.

 هشام يخلف الشوف


 

نشرت على منصة   MAT Youth 

https://mtayouth.com/%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d9%83%d9%85%d8%a7-%d9%84%d9%85-%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d9%84%d8%a7-%d8%a3%d8%b9%d8%aa/ 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إنطباع قارئ : علمتني الحياة لعلوش رفيقة... كتيب لشحن الثقة

من قتل أسعد المروري.. رواية السائح حين تقرأها في وهران!!!

من مكتبتي : في النقد الأدبي الحديث لمحمد ساري،... محمد مصايف الناقد الجزائري الذي لا تعرفه