رواية "سخرية" لعزيز بولطباق... الحرب ليست موت فقط.

     أحب القراءة للرواية منها شغف خاص، ولا أدري لما أحب أن أعلق كثير على ما أقرا وهذا ما رغبت نفسي في القيام به وأنا أكمل في يوم واحد الرواية القصيرة "سخرية" للكاتب الشاب عزيز بولطباق والصادرة عن دار النشر "الجزائر تقرأ"، ولا أدري لما لم أراها قصيرة وهي المخطوفة من نص أطول لم يرد "عزيز" أن يسرده كاملا علينا لشأن يخصه لا أريد البحث فيه، وربما "قادة" صاحب الدار يعلم السبب..
   من العنوان لم أتوقع أن تكون السخرية من الحرب، لكنها كانت، غير أن الغريب في الأمر وأنا أقلب صفحات الرواية قراءة طبعا، دخلت مباشرة في عالم المكان دون سابق قراءة ولا إشارة ولا تدبير مسبق عن ماهية مكان وقوع الرواية، رغم أنه لم يصرح من البداية إلى النهاية صاحب السخرية بمكان الحدث اللهم إلا إشارات تفهم على أن المكان المقصود هو "العراق".. كنت في العراق من البداية، وأنا ابتسم لما دخلت العراق ولم يشر "عزيز" من البداية إلى أننا في العراق حيث الحرب كانت ولا تزال إلى اليوم..
      بعيدا عن الشخوص لكن أهم فكرة ربما شدتني والتي تعبر على واحدة من الطباع المنتشرة بين الجزائريين في العموم "الانانية" والعيش للذات والنفس، وفكرة تسفيه العلاقات والإعتبارات الإجتماعية التي عمت مجتمعنا وأصبحت قوة تضرب بعمق في الشخصية الجزائرية ونفسيته، ربما هي دفاع أو هروب أو رفض للواقع كما هو، الأهم أن يصور شخص لا يحاول أن يرتبط بشيء حتى لا يكون مسؤولا عنه، لأنه في النهاية سيكون وحده كما كان في البداية.
   نوع من فلسفة التبرير لما يقوم به البعض وقد يكونون كثر جدا من أنه لابد للواحد أن يعيش لنفسه وفقط ولا غير، والباقي لا يهمه، حتى فكرة الإرتباط بالمكان، في مشهد يقوم البطل ببيع بيته الذي ولد وتربى وترعرع فيه، وكيف غابت عنه فكرة الإرتباط بالموطن الصغير والكبير على حد سواء، ليبدأ حياة جديدة في أي مكان ولا يهم المكان، لأن لمكان الأهم هو الذي تعيش ونحيا به بسلام.
    لست ناقدا حتى أستعين بتلك المناهج النقدية والنظريات، لكن أمر فقط لأعبر عن ما أعجني في العادة اكثر من أي شيء، فأسلوبه بسيط جدا ويغلب عليه الحديث الداخلي والفلسفي، في سعي لإكتشاف شخصية ونمط تفكير البطل، لا أجد صعوبة في الوصول إلى مكامن ضعف شخصيته وقوتها والطريق الذي اختار البطل ليعيش حياته وسط الحرب، التي تعني في العادة الموت المحتم، "سخرية" تقول لنا أن الحرب حياة أخرى وعيش آخر بطريقة مختلفة كليا على ما تنقله لنا عدسات الكميرات والتقارير الصحفيين وقصص الهاربين أمام الشاشة..
"سخرية" لعزيز بولطباق عن دار الجزائر تقرأ.. تقول هكذا نسخر من حرب لا تعنينا ولا تخصنا... شكرا لك صديقي على المتعة.
هشامو

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إنطباع قارئ : علمتني الحياة لعلوش رفيقة... كتيب لشحن الثقة

من قتل أسعد المروري.. رواية السائح حين تقرأها في وهران!!!

من مكتبتي : في النقد الأدبي الحديث لمحمد ساري،... محمد مصايف الناقد الجزائري الذي لا تعرفه