انطباع قارئ : تحت أعين الملائكة.. ياسر كارك الأب الواعظ في رسائل أدبية !
طبع الشاب ياسر كارك كتابه الثاني تحت عنوان "تحت أعين الملائكة.. رسائل إلى ابنتي" في فن "أدب الرسائل" ضمن منشورات دار ضمة للنشر والتوزيع العام 2019، جمع فيها 28 رسالة من أب لابنته في 140 صفحة من القطع المتوسط، مع غلاف جميل يظهر فيه فتاة صغيرة نائمة، الصورة بشكل مقلوب، وإذ يتكلم على الشكل فدار ضمة يحسب لها تلك التصاميم المميزة واللافتة والجميلة، تدل على ذوق رفيق ولمسة فنية جمالية وليس مجرد غلاف لكتاب وفقط.
عنوان لطيف يجعلك تفهم أن الموضوع يدور حول فتاة تحميها الملائكة إذا ما ربطنا الصورة مع العنوان يؤكدها العنوان الفرعي رسائل إلى ابنتي، فلا شك أن أحد الوالدين يبعث برسائل لابنتهما، قد يفكر الواحد أنها من الأم لأنه الغالب ما يفهم ويذهب له عقلنا، لكن حين الغوص في الكتاب سيظهر أن الرسائل من أب لإبنته.
ستجد نفسك بداية مع مقدمة للكتاب لصاحبها ياسر كارك، يوضح فيه سبب تأليف كتابه ومدعاة الكتابة في هذا الباب والمجال، ملخص ذلك في رد له على صديق لا يحبذ قراءة الكتب الفكرية و "أنه لا يميل لكتب الفكر لأنها جافة وتفتقر للكثير من الجمال وتكاد تنعدم فيها المشاعر والأحاسيس"، وكأن الكاتب أراد أن يثبت لصديقه الأديب المقرب أنه يمكنه أن يقدم فكر جميل ومفعم بالأحاسيس والمشاعر ، فهو كتاب تحت الطلب، وبما لم يدرك الاديب صديق ياسر أنه موقفه متأتي من قلة إطلاع وقراءة، فأين يمكن وضع أساطير ونصوص قديمة كتبت بطريقة أدبية منها أول رواية في تاريخ البشرية الحمار الذهبي للوكيوس أبوليوس الإفريقي/الجزائري عالج فيها قضية الأخلاق كمعطى فلسفي فكري بطريقة كومدية ضمن قصص تعرض لها الشاب لوكيوس الذي تحول إلى حمار بسبب السحر ليعرف حقيقة البشر والرهبان في المعاملة، وهل قرأت محلمة جلجامش قصة تحكي قضية الوجود والخلود والفناء والأخلاق مليئة بالمشاعر والالم، وهل قرأت كليلة ودمنة كسف عالجت القضايا السياسية وأنظمة الحكم بطريقة أدبية ممتعة مشوقة، وهل وهل، بل هناك عشرات النصوص التي لا يسع المقام هنا ذكرها وحصرها التي جمعت بين الفكر والفلسفة والأدب وهي اليوم نصوص عالمية، لهذا القول بهذا يعد ضعيف، ومع ذلك فقد أختار الكاتب ياسر كارك أن يقدم شيء ولو بسيط، عن طريق التقمص دور يعبر فيه عن العقل والفكر يسردها بشكل أدبي في رسائل أب لإبنته البعيدة عنه، دور حساس جدا، رغم اعترافه أنه ليس أب وليس متزوج، لكنه حاول لعب دور الأب الناصح الواعظ المرشد في الحياة لابنته.
بذل الكاتب ياسر كارك جهدا كبيرا للتوفيق بين الأسلوب الأدبي وأسلوب الوعظ والإرشاد من خلال التناوب مرة يتكلم على علاقة الأب بابنته كأي علاقة بين أب وفلذة كبده، ومرة جملة من النصائح والتوجيهات ترواحت بين الحديث مباشرة عن معاني محددة كما في رسالة "إيمان الوهم" ص67، يؤكد فيها على ضرورة الإلتزام بالشربعة والقيم السمحة والرائعة التي يتصف بها ديننا الحنيف بعيدا على الواقع المعاش الذي لا يعبر عن الدين بالضرورة، ومرة يسترسل في التعبير بشكل أدبي كما في رسالته "منتهى السعادة"ص40، وفيه يسرد بعضا من الذكريات ويربطها بمعاني جميلة وبسيطة حول مفهوم السعادة، ويبقى هكذا إلى غاية نهاية الكتاب، وبين رسائل قصيرة نوعا ما ورسائل طويلة بعض الشيء يكسوها الإبتذال، وهنا الأمر الذي وقع فيه الكاتب حيث وجد أن شرح أو تحليل أو تقديم بعض المفاهيم بأخذ منه جهد وطولا في التعبير أصابني في أكثر من مرة بملل وبالثقل، كما أن أسلوبه يقترب من أسلوب الوعظ الديني أكثر من أي شيء آخر، وهو كما يفقده نكهته الأدبية مرات عديدة، وهو طبعا غير ملام فيما وقع فيه لأنها في النهاية تبقى تجربة، قد يصيب وقد يخطأ، وهذا لا يعني أنه لم يصب في كل ما كتب وقدم.
خص معايير وشروط الرسالة فنجد الكاتب لم يلتزم بها ، وربما يفتقد لمهارة كتابة الرسائل، فلا أتوقع أن تبدأ رسالة "لقد شاهدت ظهيرة اليوم برنامجا رائعا لأحد الشخصيات..." من رسالة بعنوان "نحو النجاح"ص44، وكأنه بعثها هذا المساء، ووصلت لها، في المقابل يخبرنا أن رسالته ورقية كما يصفها في واحدة بعنوان "الصرخة الهادئة" ص76، كما لم يحدد الكاتب نوع الرسائل، هل عبر البريد العادي أم عبر البريد الإلكتروني ونحن في زمن مختلف يعرف التكنولوجيا، ولو أسر لنا في البداية أنها رسائل عبر البريد الإلكتروني لكان أجمل، كما لم نجد التاريخ التي كتبت فيه الرسائل، فوجدت نفسي أقرأ نصوص بلا زمان وبلا مكان أيضا، يفهم منها أن الأب في الوطن والبنت مهاجرة ، كما أنه لا تنسيق بينها ولا ترتيب كما يعرف على الرسائل في العادة على الأقل ترتيب زماني، كما أنه حين تقرأ رسالة "رحلة داخل نفسي" ص96، تشعر كأن البنت ستعود وتتوقف الرسائل، كأن تتفاجىء أن الرسائل مستمرة، إلى آخر رسالة "وداع".
من جملة ما قال في رسالته "سحر الحياة" ص82 : "أي ابنتي/ إن الحياة أجمل من البشاشة في الصبا وأبهى من الورود في الربى / وإني لأتمنى أن تذوبي في سحر جمالها وفي رونق عطرها وعذوبة أنغامها ..."
أما في رسالة "الاحترام في كل شيء" ص114، فبدأها بشكل جميل وعميق فقال ياسر : "يتكلم... يتكلم... ثم يتعثلم لبرهة في حديثه، فيضحك عليه المنصتون. / يسير بهدوء وسكينة... ثم للحظة يزل ويعثر ، فيضحك من حوله. / يأتي ركضا على الأقدام ليزف خبر نجاحه وتفوقه، فلا يتفاعل معه أحد ./ يسأل صديقه بلطف وبصوت منخفض فيصرخ في وجه رافضا طلبه. / يشتاق ويبدي الكثير من الود، لكن لا أحد يبادله."
حاول الكاتب ياسر كارك بكل جهد وجدية وأمل في مؤلفه "تحت أعين الملائكة.. رسائل لإبنتي" أن يقدم نص أدبيا جميلا وفكر عميقا، وإن وفق إلى حد ما في بعض الرسائل فقد ابتعد كثيرا في رسائل أخرى، وليس هذا في تصوري إلا سرعة كبيرة منه في العمل على الكتاب وطبعه ولم يأخذ الوقت ليراجع ويراجع لكان انتبه لكثير في كتابه وتداركه، لكن هذا لا يعني أنع فاشل بالعكس هو شجاع أن أقدم على تجربة ليثبت لصديقه فقط أن الفكر والجمال والمشاعر ممكن أن تجتمع في نص واحد معبر مليء بالحياة والعمق... كل التوفيق.
المهم... قراءة شهية.
هشام يخلف الشوف
تعليقات
إرسال تعليق