إنطباع قارئ : هيتروكروميا.. أن تقرأ نصوص أسامة رجب زرواق بعينين مختلفتين
صدرت نصوص أسامة رجب زرواق تحت عنوان "هيتروكروميا" عن دار ضمة للنشر والتوزيع العام 2019، وعلى مدار 69 صفحة نثر 38 نصا تراوح بين القصر والطول.
لمن يقرأ العنوان أول مرة سيصاب بالفضول لا محال، لأن العنوان غريب ولافت فالكلمة غير متداولة، وتجعل القارئ يتساءل عن معناها، وببساطة هيتروكروميا هو اختلال جيني تجعل الانسان بعينين لكل واحدة منهما لون كأن تكون عين زرقاء وأخرى خضراء، لكن التساؤل الحقيقي هل نصوص زرواق مختلفة؟
حين بداية القراءة ستجد نفسك تقرأ عن يوميات وأحداث وأفكار ومعاني يعيشها أسامة، عن طريق خواطر نثرية متنوعة، قد تكون عادية لكن أسلوبها أدبي جميل، وعبارات تجعلك تستمتع وتواصل القراءة، لسهولتها وقصرها نوعا ما، ونفسها ليس طويلا، وتدفع بالقارئ المبتدى يستمر ويواصل القراءة، ليكتشف بعد النص الأول مباشرة أنه يستعمل لون عين الثانية في التعبير إنها اللغة العربية لكنها الدارجة، فهو ينتقل من اللغة العربية الفصحى إلى الدارجة في التعبير، وهنا لنا وقفة حيث أن الفصحى والدارجة متقاربتان لكن هناك اختلاف، وهذا الإختلاف هو هيتروكروميا بعينه، قد يوافقه البعض وقد يرفضه آخرون، قد ينطلق آخر من موقف نقدي ولغوي وقد قد ينطلق من باب أن الدارجة لا تساوي قيمة الفصحى، ومن يعتبرها تعدي على الفصحى وانتقاصا منها، ومن يعلن موقف اديولوجيا في استعمال اللهجات بشكل عام، لكن يبقى الموقف ذاتي مادام هناك اختلاف وجدلا بين الطرفين، تبقى دارجة أسامة صافية وجميلة ومعبرة، لأن دارجة المناطق الداخلية مثلا في الجزائر أكثر فصاحة من اللغة العربية الفصحى، بل حتى الكلمات الغريبة بات باحثون ولغويون يجدون لها جذورا في العربية القحة، لكن هذا لا يمنع أن نقرأ نصوصا جميلة.
ليست خواطر زرواق بتلك العمق والرمزية التي يتساؤل البعض عن مدى وجودها لكن الصور البيانية والأساليب التعبيرية جعلت نصوصه في عمومها مرغوبة القراءة، فشاب يكتب عن أمه ككل الكتاب ويكتب عن أبيه أيضا، يكتب عن القدر والصدفة والوجود وعن الآفات وعن الحب والحبيب والسهر والفرح، أنه يكتب عن حياة بسيطة لا تحمل كل ذلك التعقيد الذي يبحث عنه نوع من القراء، ولهذا نلمس بعض السذاجة وبساطة التجربة التي عاشها وربما قرأ عنها أو سمع بها أو رآها في الأفلام أو حاول محاكاتها، ففني النهاية قوة التجارب وعمق المعاني وجودة اللغة والقدرة على التحكم في كل ما سبق وحدها من تقدم نص قويا جدا وخالدا حتى ولو كان خاطرة ومقطوعة نثرية، كما لا يمكن تحميل الكاتب ونصوصه أكثر مما يطيقان ففي النهاية، هيتروكروميا ، هي أول تجربة في الكتابة الإبداعية لرجب زرواق، وأول تجربة مطبوعة قدمت للقراء، ولا يمكن الحكم على أول عمل بشكل صارم وحاد، فلا لكاتب ولا العمل سيتحمل هذا، بل سيكون ظلما، ولكن لا يعني أن لا يطور أسامة نفسه أكثر ويتمكن بشكل أكبر ويقدم الأفضل...
من أكثر ما راقني وشدني من خلال قرائتي ما كتبه تحت عنوان :
"أبي"...
"للجميع.../ أفسحو مجالا في عقولكم لحقيقة الابطال الخارقين.. / الرجل الذي لم يترك لي مجالا لاختزاله وحشره في نص يكفيه.. / لكنني حاولت.. / ما هذه سوى مسودة مشاعر استخلصتها من عدة كلمات.. / كنت أنت كلها."
كثيرون الذين يكتبون عن الام قليلون الذين يكتبون عن الأب، فنقسم الكتاب إلى أولاد يكتبون عن أمهاتهم وبنات يكتبن عن آبائهم، كل له اختصاصه ومشاعره وعالم أتى منه من جانب واحد وفرع واحد إما أم وإما أب وقليلون من كتبوا خلاف، لا أريد الإجابة عن هذا الامر بقدر ما رغبت في التساؤل لما؟
أما نص "كي نخاف نطلب خدودك" ... منها هذت المقطع :"تشفاي نهار قلتيلي اسمع من تخاف ما تزيدش تتخبا ! قلتلك واش ندير.. قلتي عندك خدودي سقسيهم. / نهارها ماقتلكش واش قالولي وفتناها بضحكة. / خدودك قالولي تغطا بينا. / حتى خدودك قالولي تخبا.. / الخوف تلزمو تخبيا.. / بصح صح خدودك والسرير مش كيف كيف .."
من الطريف أن تجد كاتب شاب على غير عادة المتغزلين يهتم بالخدود، ويذكرهما أكثر من مرة في لوصف ولفة الإنتباه ربطها دائما بالحبيب، طبعا علاقة الخدود بالكاتب مميزة وإلا لما ذكرها مرات كثيرة، ربما هي دعوة إلى أنه ليس دائما الجمال مختصر في العينين والشعر والجسد ولون البشرة قد يكون الجمال جزئية بسيطة صغيرة بعيدة عن المألوف كالخدود، هذا إذا ما اعتبرنا أن مفهوم الجمال عند الشعوب يختلف من شعب إلى شعب ومن منطقة إلى منطقة في هذا العالم الفسيح، وكل يكتب من ثقافته، التركيز على العيون والجسد الرشيق هو من عادة العرب واعتبار الجمال فيهما، ليس أكثر. وهو ما يؤكده في نصه المعنون "لا انظر الى وجهك" يقول :" الكل ينظر الى وجهك.. / وهذا أمر طبيعي .. أنت جميلة / والكل يخبرك بهذا . / أما أنا.. / فلا أنظر إلى وجهك .. / أنا أدخل فيه / "من خدودك"..... ".
المهم... قراءة شهية.
تعليقات
إرسال تعليق