رابعة... جماليات الحقد
تابعت
الصور وفيديوهات للمذبحة رابعة، وكانت بحق في منتهى الروعة، تنقل لنا جماليات
الكره والحقد المبطن من طرف أهل البلد الواحد لجزء من أهل البلد.. اقصد شعب واحد، لسبب
تافه وهو الإختلاف في الرأي السياسي والنهج الإديولوجي، هذه الخرافة المسماة قضية
حياة أو موت في ظل حياة الإستحمار وموت النباهة، كان كافيا أن يوقع لنا رسامو
الإقتحام على المعتصمين في ساحة رابعة العدوية مشهدا فنيا راقيا مستوحى من تاريخ
الحقد المغروس بطريقة ما داخل كل فرد يستطيع أن يقتل أعزلا ويذبحه وهو يبتسم، ويلبي
مجرد طلب بسيط من السيد وهو تحضير الألوان للوحة الفنية العظيمة التي قدموه للعالم
والتاريخ.
الجدير بنا الوقوف عند
مسألة في غاية الأهمية – في تصوري – وهي تتعلق بدراسة الدافع الذي جعل
القائمين على المذبحة بلا تردد بلا خوف بلا ضمير وهم يرون كيف يقتل المئات في لحظة
واحدة، دراسة نفسية واجتماعية، التي تغيب بحق في عالمنا العربي ولا يهتم بها بتاتا،
في ظل ضعف عام للدراسات العلوم الإنسانية؟
ابحث عن مصدر كل هذا الحقد
المرسوم على اللوحة، قد يقول البعض هؤلاء مرتزقة دافعهم المال، البعض يقول بلطجية
مدمون لم يكن واعون، وقد يقول يدافعون عن مبدأ أو موقف، وقد يقول آخرون طبيعة
الأجهزة الأمنية، مهما تم تبرير الواقع أو إيجاد سبب تفسيري لمبررات العنف الرهيب
المستعمل في المذبحة ليس عاديا أبدا، بل أن القضية لم تكن في مصر وفقط بل تعممت
عبر باقي دول الربيع، وان اختلفت التسميات فالنتيجة واحدة والألم واحد والرعب
واحد؟؟؟
هل نحارب الحقد؟ ليس هو
المقصود بل نكتشف بداية مصادر الحقد العربي ضد العربي ومنبته في التاريخ ضمن
الصراع المذهبي والطائفي ثم في زمن الإستعمار الذي بناه بشكل دقيق مستعينا في ذلك
بمخابره المجهزة بالعلماء النفس والإجتماع والتربية والتاريخ وطوره وجعله لقاحا في
أجساد أتباعه الذين يقومون بالدور على أكمل وجه ودونما توقف.
أوروبا اليوم التي انتظرت
ثلاثة قرون لمعالجة الحقد بين قومياتها الناشئة لا تزال تسعى بكل جهدها لكبح أي
موقظ لهذا الحقد الذي سينهي أوروبا من الدور الحضاري الذي تلعبه اليوم، في مقابل
نجد العرب دخلوا في دوامة ثلاث قرون أو أكثر من الحقد العربي المتبادل.
في لفتة مهمة نجد الرسول
وهو الأعلم بنفسية العربي كيف كان يغلق الأبواب القديمة للحقد وتلك النوافذ
المفتوحة على أنصافها لولوج الحقد العربي لقلب المسلم، وهو يحذر من البحث في بواطن
الناس وأخذهم على الظاهر كما في حادثة زيد حين قتله لرجل في معركة بعد أن نطق الشهادتين،
كيف غضب النبي لموقف تشاجر الأوس والخزرج في عهد الإسلام، وكيف رفض أن يسب أبو ذر
الغفاري بلالا وتعييره بجنسه، ومواقف كثيرة مرشدة ومنهية لأسباب الخلاف المودي
للحقد واستمراره، عملية تخلى عنها المسلون والعرب ولهذا انتعش الحقد وما زال
مزدهرا يقدم لنا عبر التاريخ أورع المذابح والمجازر العربي ضد العربي والمسلم ضد
المسلم أكثر من تلك التي أراقها "الكفار".
مذبحة رابعة تعيد لنا لوحة من
لوحات الحقد المخزون في قلوب الكثيرين ينتظرون اللحظة فقط لينفجر كل ذلك الحقد دفعة
واحدة تحت غطاءات مختلفة يحمل شعارات تناسب كل فترة تاريخية وواقعا ما، حقد قادر
على الإشتعال في أي بيئة عربية وإسلامية، حقد لا يزال مستمرا بعد رابعة ولن تكون
رابعة الأخيرة بل علينا أن ننتظر رابعة وخامسة وسادسة ومائة ولن تتوقف لأن الحقد
مستمر.
تعليقات
إرسال تعليق